انتشرت في الآونة الأخيرة إعلانات في العديد من الدول الأوروبية تروج لاختيار سلطنة عمان كوجهة سياحية باعتبارها (واحة أمان) للمثليين جنسياً.
فما هي حقيقة هذه الإعلانات وعلاقتها بالواقع؟
تشكل عمان وجهة سياحية مفضلة لدى كثير من الجنسيات الأوروبية، فالمقومات الطبيعية المتنوعة من شواطيء وجبال وريف وصحراء إضافة إلى المتحف الجيولوجي المفتوح بحجم مساحة البلد، والغرائبية الإجتماعية (من وجهة نظرهم)، والأمان الشخصي، وحسن الضيافة، كلها أسباب دافعة لاختيارهم.
لكن لماذا يقصدها البعض منهم وفي نفسه سبب إضافي؟
لا أعرف على ماذا تعتمد تلك الإعلانات السياحية الترويجية، فعُمان بلد عربي إسلامي بمظاهر محافظة في الحياة العامة، لكن بمزيج متوازن مع أدوات الترفيه العصرية فالمشروبات الكحولية قانونية، والملاهي الليلية بأنواعها متوفرة، والأماكن العامة ذات ليبرالية واضحة ففيها تسير المنقبة والمحجبة إلى جانب الأجنبية بملابسها التي تظهر أكثر مما تخفي أو تجدها مستلقية بالبيكني على الشاطيء.
ويسير الرجل الملتحي بملابسه المحلية إلى جانب الأجانب بملابسهم المختلفة وإلى جانب الجيل المحلي الشاب الذي يواكب آخر صرعات الملابس العصرية وقصات الشعر والإكسسوارات.
ليس هناك في الظاهر ما يدل على أن البلد (واحة أمان) للمثليين جنسياً (الرجال)، فالقانون يجرم العلاقة الجنسية المثلية، لكن يمكن مشاهدة بعض أصحاب تلك الميول وهم يسيرون بهوية واضحة في الأماكن العامة وبأمان ومن دون أية مضايقات، وهو المشهد الذي يمكن أن يتكرر في بعض البلدان العربية أو بعض المدن العربية بصورة أدق، لكن ليس كثيراً. كما يمكن مشاهدة المثليين جنسياً بوضوح في بعض الملاهي الليلية، وتكاد بعضها وهي قليلة أن تكون خاصة بهم.
وعندما وجهت سؤالي إلى زميل مهنة عُماني، عن مفارقة تلك الدعوات السياحية الصادرة من دول تعترف بالمثلية الجنسية لزيارة بلد لا يعترف بها؟
قال مبتسماً "للترويج السياحي عناوين كثيرة لا تكون صحيحة دائماً". فسألته عن الجزء الصحيح فأجاب "ليس لدينا في عُمان هيئة المعروف والنهي عن المنكركالسعودية، وليس لدينا نظاماً كطالبان سابقاً في أفغانستان، بحيث يتم التحكم في الهيئة الشخصية للفرد والتمييز بين الناس على أساس جنسي ومحاسبتهم عليه.
الفعل الخاص لا يحاسب عليه أحد ما لم يتحول إلى مجاهرة وفعل فاضح وانتهاك للآداب العامة، حينها يأخذ القانون مجراه".
ورغم الإضاءة المهمة التي كشفها زميلي العُماني إلا أنه لم يرغب في مزيد من الحديث حول الموضوع، ولا أدري إن كان سبب تحفظه وجود زوجته بجانبه أم هناك أسباب أخرى.
كان علي أن أمضي وقتاً في البحث على الإنترنت لأكتشف مدونات لمثليين عُمانيين مثل مدونة (أسد عُمان)، وصفحات مصنفة خاصة بهم على مواقع أجنبية وفيس بوك، ومدونات كثيرة لأجانب يقصون فيها تجاربهم ويصفون إعجابهم كمثليين بعُمان.
إذن في النتيجة هناك سبب لتلك الإعلانات لكننا لن نصل إلى الأسباب مجتمعة لنستطيع رسم صورة مقربة بتفاصيل الأبعاد القانونية والإجتماعية والثقافية والسياحية. فالمثليون العُمانيون أنفسهم لا يشكلون (كتلة) في الإعلان عن أنفسهم مثل زملائهم في بعض الدول العربية الأخرى، حيث بدأوا في الإعلان عن تجمعات لهم وتكوين إعلام خاص بهم. كما أن الموضوع برمته جديد على الصحافة العمانية، والعربية التي تتناول الشؤون العمانية بل هو موضوع لا يمكن الخوض فيه ويدخل في نطاق السري والمحظور، وذكرني هذا الوضع بمصر حيث أماكن المثليين معروفة في وسط القاهرة وبعض المدن الأخرى، واللقطات السينمائية العابرة متوفرة، والحديث عنهم في الأعمال الأدبية على قلته موجود(أعمال علاء الاسواني كمثال)، لكن الصحافة لا تنشغل بأحوالهم ولا الباحثين الإجتماعيين إلا نادراً
بقي أن نأخذ الصورة من أفواه المثليين الأجانب، في حوار مع أحدهم نشرته مدونة بالإنجليزية أنقله بتصرف، وهو مقيم في سلطنة عُمان، وقد لقبه صاحب الحوار بالرجل الإنجليزي المحترم:
* حدثنا عن نمط الحياة لمثليي الجنس الذين يعيشون في سلطنة عمان؟
- أشكرك على سؤالك عن تجربتي كوني أجنبي مثلي الجنس من الذين يعيشون في سلطنة عمان. وأنا سعيد للإدلاء بما أعرفه للآخرين الذين يعيشون هنا أو لمن يفكر بالزيارة.
في البداية أؤكد أني أتحدث عن الرجال (أنا متأكد من وجود مثليات عُمانيات لكن ليست لدي الخبرة الكافية لأدلي بمعلومات عنهن)، لقد عشت حياة هادئة جميلة هنا على مدى الست سنوات الماضية مع شريك ثابت.
* إذن هل هناك مجتمع لمثليي الجنس العمانيين؟
- الوضع مختلف هنا عن مفهومنا وتعريفنا في الغرب لمثليين جنسياً..قبل كل شيء علينا أن نفصل بين الرجال الذين يعرفون أنفسهم على أنهم مثليي الجنس، وبين الرجال الذين يمارسون الجنس مع الرجال ببساطة.
النوع الأول هو عبارة عن مجموعات صغيرة نسبياً تتواجد بشكل أساسي في وحول مدينة مسقط، وبعض هذه المجموعات مترابطة كمجموعات أصدقاء أحياناً.
ولا يوجد تنظيم رسمي لمجموعات المثليين على حد علمي.
النوع الثاني هم الرجال الذين يحبون ممارسة الجنس مع الرجال لكنهم غير معرفين بشكل علني وهؤلاء كثيرون جداً. ويبدو أن هناك قدراً من الموافقة (غير المعلنة) في المجتمع التقليدي على الجنس بين الذكور. ونظراً لإن الاختلاط بين الجنسين لاسيما الشبان محدود جداً فأنا لا أستغرب الوضع. وقد حدثني أصدقائي المدرسين عن قصص مثيرة جداً للاهتمام حول الأشياء التي يلاحظونها في طلابهم فهناك ظاهرة التشبه بالفتيات وهي ظاهرة لا تبدو لي أنها درست كثيراً(يمكن قراءة مقالاً على ويكبيديا عن الخنيث Khanith)، وقد التقيت في بعض الحانات المحلية بمجموعات من الرجال في مكياج كامل.
في السنوات الأخيرة، التقينا أكثر وأكثر بالذين لا يعرفون نشاطهم بمثليي الجنس، لكنهم يمارسون الجنس مع الرجال. ومثل الكثيرين في العالم العربي، ومعظم الذين يعيشون حياة مجتمعية نمطية فإنهم في النهاية يتزوجون. وهذا ما قد يبدو للغربيين على أنه حياة مزدوجة: زوجة وأطفال وأسرة من ناحية، وحياة جنسية مع رجال آخرين من ناحية أخرى.
لدينا البعض، واحد أو اثنين من الذين قد أثاروا هذه المسألة مع الوالدين أو الاشقاء، إنهم من الأسر الأكثر تطوراً، وتجربتهم كانت جيدة جداً.
وكانت لي شخصياً بعض التجارب مع العائلة والأصدقاء، وهذا يذكرني ببعض أصدقائي الغربيين أصحاب الخلفيات الدينية أو المحافظة.
يقع البعض في التعارض بين القيم الدينية والمحافظة وبين ما يشعرون به، وقد وصلوا لمشكلة حقيقية بين كونهم متدينيين ومحافظين وفي نفس الوقت مثليي الجنس.
ويجد البعض منهم حلاً بطريقته الخاصة مع بقائه متديناً جداً، ولكن هناك أعداداً قد تكون أقل أو أكثر منهم بقيت وراء الدين.
أتمنى أن يكون من شأن الثقافة الانفتاح والاعتراف بأن هناك دائماً شخص مثلي الجنس، وبالتالي السماح لهم بمكان أكثر انفتاحاً وسط المجتمع. وبمعنى آخر فإن الموقف الإجتماعي من المثليين في عُمان مثل الموقف من المشروبات الكحولية، فهناك الكثير والكثير من المشروبات المتاحة للعمانيين الذين يقبلون عليها، لكنها ماتزال من جملة المحرمات!
* هل أصبحت عمان مقصداً لمثليي الجنس؟
- هذه ربما لزيادة المبيعات. لكن أنا وأصدقائي نوافق على أننا نشهد مزيداً من السياح مثليي الجنس.
مرة كان لدينا عشاء في مطعم فاخر في الخريف الماضي، وشعرت أنه كان بيننا نحو عشرة أزواج من الأوروبيين مثليي الجنس.
الشواطيء الجميلة وتزايد المنتجعات تصبح "وجهة"، ويجري تسويقها على أنها مكان ساخن.
* هل تنصح مثليي الجنس من الرجال بزيارة عمان؟
- إنه يتوقف على ما يبحث الناس عنه. إذا كان البعض يريد الكثير من حياة الليل الصاخبة على شكل جزيرة الإجازات فبالتأكيد لا.
من ناحية أخرى، إنها مكان رائع بالنسبة للأشخاص الذين يرغبون في رؤية الثقافة العربية التقليدية مع كل السلبيات.. وأنا أقول أنها وجهة آمنة بشكل لا يصدق.
وعلى وجه العموم ليس من المرجح أن تعثر على الأنواع الظاهرة المحترفة كالتي تجدها في المغرب أو بيروت أو دبي.
العمانيون العاديون أو مثليو الجنس مضيافين. وربما أفضل وسيلة تكون في الأشهر الباردة حيث تتناول القهوة على شاطيء البحر، وتفتح محادثة وترى ما سيحدث.
النمطية الثقافية لا تلعب دوراً في صالح السياح مثليي الجنس.
كثير من الرجال هنا يعتقدون بأن جميع الرجال في الغرب هم مثليي الجنس. بعض أصدقائي العمانيين ينشط في البحث عن الزوار الأجانب، سواء عبر الإنترنت أو في الأماكن السياحية المختلفة.
في الوقت نفسه كان لي أصدقاء أجانب صدموا حقاً حين اقتربوا من بعض العمانيين واعتبروهم متحفظين جداً، مع مظاهر الترهيب المثمثلة في الدشداشة القصيرة واللحية الطويلة.
* هل هناك سياح يأتون إلى هنا فقط لممارسة الجنس؟
- لا أرى أن عمان هي تايلند. الناس يأتون إلى هنا بسبب مثالية الطقس، والتقليدية، والغرائبية، وعموماً الثقافة متسامحة.
وقد يجتمعون مع رجل محلي، أو اثنين وهو أكثر من مكافأة إضافية.
ويأتي إلى هنا الأثرياء وكبار السن من المثليين جنسياً، ويجتمعون بعدد قليل من المحليين. وإذا كان الرجال الأوروبين يأتون إلى هنا فقط للحصول على ما تحت الدشداشة فإن هذا يحدث في كثير من الأماكن، في الشرق الأوسط وأماكن أخرى.
* وماذا عن المتاعب أو المطبات الأخرى؟
- أنا بصراحة لا أعتقد أن الشرطة تتعدى على أحد، ما لم تأتي بما يستدعي ذلك.
عليك أن تكون محترماً فلا تفرط في الشراب ولا تركض في ملابس سخيفة ولا تتطفل على الرجال الآخرين، يجب أن تكون لائقاً.
هنا بالإمكان للزائر أن يستقبل أصدقائه في غرفته بالفندق (وهو أمر يكاد يكون مستحيلاً في بعض أجزاء من المنطقة)، وأنا أعلم أنه وقعت حوادث خداع وابتزاز ومتاعب أخرى.