مقاله من موقع لبناني اعجبتني بقلم ملاك عقيل
هو... وهو... على المسبح
ملاك عقيل
يطّلان معاً، أجسادهما تكاد تكون متلاصقة. يحملان حقيبة البحر، ويتحصّنان بأكسسوارات النهار الحار الطويل: نظارات تكاد تغطي الجزء الأكبر من وجهيهما، وقبعة تحميهما من أشعة الشمس اللاذعة، وغالباً ما تكون المنشفة قد استقلّت عن الحقيبة لترتمي على يد كل واحد منهما لتسهيل مهمة فلشها على... السرير.
هو سرير يجاور غيره من الأسرّة التي أخذت مكانها في أحد مسابح العاصمة الراقية، والذي يدلّ اسمه على تاريخه البيروتي العريق. وحيث تتوزّع الأسرّة البيضاء المكسوّة بشرشف أبيض يتطاير مع نسمات الهواء، تصنّف بقعة الـ vip، وايجارها اليومي لا يقلّ عن الـ 150 دولاراً. زائرا المسبح ليسا من الذين تعرّفا للتوّ على بعضهما ويرغبان بقضاء نهار مميّز على البحر، ولا ثنائيّاً متزوجاً يرغب بكسر روتين يوميات الصيف، ولا أيضاً خطيبان يستنزفان آخر ساعات "الحرية" قبل الدخول الى القفص الذهبي... زائرا هذا المسبح، كما العشرات ممن ينتمون الى النادي نفسه، هما من مثليّي الجنس من الذكور، والذي وصِم المسبح عينه بصيت احتضانهم.
ليس من الصعب رسم "بورتريه" لثنائي لا يميّزه سوى أنه "مخالف للطبيعة". هي وجهة نظر في النهاية، لأن ثمة من يؤمن بأن هؤلاء هم جزء لا يتجزأ من "عالمنا الطبيعي" وأن الشذوذ له أوجه أخرى غير الحب والجنس. هدوء لافت يطبع تصرفات الـ "غيّز" في هذا المسبح، جولات من الوشوشات والضحكات و"دهن الزيوت" والمبارزة على من يدفع الحساب وغنج مبطّن متبادل تحت سقف الحياء... لكن هذا الانضباط لا يرصد في جميع مسابح لبنان، التي أتاحت بغالبيتها العظمى لمثليي الجنس بممارسة "طقوسهم" الغرامية من دون أي موانع. في مسابح أخرى حيث يتحوّل النهار الى ناد ليلي للرقص، يجد مثليو الجنس متنفساً حقيقياً لهم لكي ينتقموا من واقعهم المرير ومن ظلم المجتمع لهم. فعادة ما يفجّر هؤلاء طاقاتهم وكبتهم المجتمعي في عتمة الليل، ويعودون صباحاً ليرتدوا قناعاً ينبذه جسدهم المتردّد في هويته. لكن حين يتحوّل المسبح الى ساحة "للحرية" تكتمل "طقوس" الممارسة: مايوهات استلهمت أشكالها من ورقة التين، عقود وسلاسل تزنّر أعناقهم وأيديهم، ايحاءات متبادلة تفرض ايقاعها على الحاضرين من الناس "الطبيعيين"، أجساد هجرتها الذكورة لتتراقص على ايقاعات صاخبة، كؤوس الكحول تتمايل بدورها ولا تعانق إلا سوى تلك التي تشبهها في ملامح من يحملها... هكذا تفتح مسابح لبنان ذراعيها للمئات من أصحاب الأجساد الذكورية الناعمة، أو تلك التي كستها العضلات المنحوتة لكن من دون أن تغيّر من طبيعة "جيناتها" المثلية...
هنا فقط يتساوى فحش النهار مع صخب الليل ورواياته "المحرّمة"...